الأوضاع الحاضرة، وتتخذ لها مظهرين: مظهر الاشمئزاز الشعبي الذي يخفت طويلاً ثم ينفجر بصورة مريعة، ومظهر النضال الشعبي المنظَّم الذي يسير بهدي الزعماء الوطنيين.
على أن هذا الدور وإن بدا مستقلاً عن الدور الأدبي فإنه لا يستقل عنه في الحقيقة أبداً، وللأدب عملٌ في إنشائه وتهيئة الأفكار له (كما عمل أدب روسو وفولتير ومونتسيكو في إنشاء الثورة الفرنسية)، وعملٌ في تنظيمه (كما ينظم خطب الزعماء ومقالاتهم، وما هذه الخطب وهذه المقالات إلا أعمال أدبية). فأنتم ترون أن الدور الأول للنهضات -وإن كان سياسياً في مظهره- فإن العامل الذي يغذيه وينشئه هو الأدب.
أما الدور الثاني فأدبي بحت يبدأ بعد هدوء هذه الثورة، ويتولى فيه الشعراء والكتّاب تجسيمَ آمال الأمة والإشادة بظفرها، ونبش تاريخها وإحياء ما فيه من مواقف مشرّفة وصفحات ناصعة، وتقويم اعوِجاج النهضة والأخذ بيدها، لتسلك على ضوء التاريخ والتجارب الحكيمة أقومَ المسالك إلى بلوغ الغاية.
أما الدور الثالث فهو ثمرة النهضة ونتيجة هاتين المرحلتين، وفيه تتغلغل النهضة في النظم والعادات الاجتماعية فتهذّبها وتصلح أخطاءها، وتنشئ المجتمع نشأة جديدة وتعيد إليه الشباب والحياة.
* * *
وإذا نحن نظرنا إلى النهضة السورية (التي بدأت تجتاز الدور السياسي منذ أيام جمال باشا) وقسناها بهذا المقياس وجدناها