للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأكرهت نفسي على الخروج من عزلتها والاندماج في هذه الكتلة الطيبة. ولا أنكر أن قد خالطني بَدِيّاً بعضُ الزّهو والسرور على أن كنت مع المنتخَبين، ثم مللت وضقت ذرعاً بهذا الانتخاب ووددت لو قدرت على الانسحاب، ولكني خشيت أن أصرّح بهذا وأكرهت نفسي كرّةً أخرى على العمل معهم، وحاولت أن أندمج بهم ولكني لم أفهمهم قط، وكنت منهم كالزيت من الماء: تمعسه معساً (١) ثم يأبى إلا الافتراق عن رفيقه، وإنه لَمَعَهُ في إناء واحد (٢). وكأني بإخواننا وقد أقاموا على ألسنتهم حارساً من أغراضهم فلا يتكلمون إلا بما فيه صلاحها، وعجزت عن هذا فقلت ما أعتقد، وآذيت مَن قلت له بما قلت واتخذته بذلك عدواً! ورأيتهم يبتّون في الأمور بما يريدون، لا يبالون بكثرة ولا بقلّة ... فآمنت بأني غريب فيهم، وعدت إلى عزلتي مُوقناً بأني امرؤ مستوحش بالناس لا أستطيع أن أسيغهم ولا يستطيعون أن يُسيغوني، ونفضت يدي من هذا المجمع ومن غيره من المجامع والجمعيات جملة.


(١) عربية معناها الدلك الشديد.
(٢) خبر هذا «المَجْمَع» مفصَّل بتمامه في الحلقة السادسة والستين من «الذكريات»، وفيها قال: "جمع هذا «المجمع الأدبي» المتفرقين وحاول أن يؤلّف بين المختلفين. ماذا يجمع بين علي الطنطاوي وسعيد الأفغاني، وبين ميشيل عفلق وأنور حاتم؟ إن الماء والزيت تخضّهما فيختلطان، ولكن حين تدَعهما يفترقان، وكذلك كان". وانظر أيضاً المقالة الآتية في هذا الكتاب، وقد ذكرها ونقل أجزاء منها في حلقة الذكريات تلك نفسها (مجاهد).

<<  <   >  >>