للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يُظَنّ أنّا منهم أو أنهم منّا، فخلّينا بينهم وبين ما يريدون، وكنا وإياهم كما قال الأول:

وكمْ قائلٍ: ما لي رأيتُكَ راجلاً؟ ... فقلت له: مِنْ أجلِ أنّكَ راكبُ

حتى إذا أكثروا علينا وحسبوا سكوتَنا عجزاً وترفّعَنا جُبْناً، لم نجد بُدّاً من أن نريَهم شيئاً من غِلظتنا كما أريناهم أشياء من ليننا. ونحن ما أنشأنا هذا المجمع الأدبي إلا لأن طائفة من الناس ادّعت هذا الأدب (وما الدعيّ كالصحيح النسب)، وبَعْبعَت فيه بغير علم، وظنَّت أن كل مَن أمسك بقلم وخطّ في صحيفة كان كاتباً نحريراً. ووَقَر هذا الظن في نفوسها، وآمن كل واحد منها إيماناً لا شك فيه في أنه أديب، حتى إن أحدهم ليوافق على أن الواحد ثلث الاثنين أو ربعها، ولا يوافق على أنه نصف أديب ولا ثلاثة أرباع أديب، ولا أقل بجزء من ألف جزء من الأديب!

وإذا أنت سألته: ما الدليل على أنك كاتب أديب؟ قال: لأني نشرت كيت وكيت في جريدة كذا وكذا. فإن قلت: فلماذا نشرت ما نشرت؟ قال: لأني أديب. فهو أديب لأنه نشر مقالات، وهو قد نشر مقالات لأنه أديب! أمّا أن يقرأ كما يقرأ الأدباء من بني آدم ويدرس كما يدرسون، فيتقن النحو والصرف ويتمكن من اللغة ويدمن النظر في آثار البلغاء ويمسك بأسباب البيان، فذلك شيء لا يفكر فيه ولا يُجريه في باله!

وكثرت هذه الطائفة وانتشر بلاؤها، وملأت الصحفَ بآثارها والمجامعَ والمجالس بأحاديثها، وطفقَت تكتب في الأدب، وما كتابتها إلا كصلاة حارثة الذي قال فيه الشاعر:

<<  <   >  >>