ثم أخذ الحلاق الملقط، وعمد إلى حاجبيه فجعل ينتِش منهما نتشاً، وأنا أرثي له وأُلحّ عليه بالنظر، علّ عينه تقع على عيني فأبذل له عوني ونصرتي، فإن هذا الحلاق لا يكاد يرحمه! فلا يبصرني. ثم أدركَت الحلاقَ رحمةٌ فعفا عنه وأبقى عليه، فنظرت فإذا حاجباه خطّان كأنهما خُطّا بقلم، فقلت: سبحان الله! أي فتاة تُعطى مثل هذين الحاجبين ثم لا تنزل راضيةً عن سنين من عمرها؟!
وفتح الحلاق خريطة فاستخرج منها كُبَّة، أخذ منها خيطاً لَفَّه بين أصابعه وجعل في وسطه فرجة تضيق وتتسع كلما شدّها أو أرخاها، وأمَرَّ هذا الخيطَ على وجهه ووجهُه يتمعّر ويُخيَّل إليّ أنه يقاسي ألماً شديداً، ثم كَفَّ عنه، فلا والله ما ترك في جبينه زَغَبة (١) إلا اجتثّها هذا الخيط.
فقلت: قد انتهى، ولم يبقَ في وجهه ما يذهب به إلا أن يكون أنفه، فيكون كباغي الجمال بجدع الأنف! ولكن سرعان ما خاب ظني في أنه انتهى، ورأيت الحلاق يدلك وجهه دلكاً ويقرصه قرصاً، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، قد جُنَّ الرجل، وإلا فماذا يكون هذا القرص من الحِلاقة؟ ثم كفّ، فنظرت في وجه الشاب فإذا عليه حمرة الخجل، وأنعمت النظر والتفكير فعلمت أنها حمرة الصحة والحياة أو حمرة الدلك والقَرْص،
(١) الزغبة من الشعر كل صغير دقيق منه (وهي من الريش كذلك) (مجاهد).