نبهني صاحبي بقسوة وغلظة، فلما صحوت أنبأني أني سأفارقه، وأنه كان ينتظرني من أمد طويل ليدفع بي إلى اليد الممدودة إليه. فقلت في نفسي وأنا أخرج: لا بأس، إنه سيدفع بي إلى يد طالب من إخوانه أو إلى أستاذ من أساتيذه، أو يدفع بي إلى يد تاجر شريف ثمنَ شيء لا بد له منه. ونظرت إلى تلك اليد، فعَرَتْني رجفةٌ شديدة وغطى الحياء على عيني حتى ما عدت أبصر، وودت أن لو متُّ وكنت نَسْياً منسيّاً ولا أرى صاحبي الطالب الشرقي الشريف يدفع بي إلى يد ...
وأدخلتني «صاحبة» تلك اليد إلى الصندوق مُغمىً عليّ، ولبثت على تلك الحال مدة لست أدري كم هي، ثم فتحت عيني على أخوات لي كثيرات ملوَّثات بالأقذار يحففنَ بي ويسألنَني ما شأني، فلما قصصت عليهن القصص وجدت شأنهن جميعاً مثل شأني، ووجدت الغربيّات منهن يسخرنَ من غفلتي ويرين مثل هذا تمدناً وحضارة، فلعنت التمدن والحضارة. وفي اليوم الثاني نُقلتُ إلى صندوق شاب آخر أوربي صميم يبيع الدخان، فلم يطل به الأمر حتى هيأ عدة السفر لأنهم بعثوا به أستاذاً إلى ... إلى سوريا!
ثم شَرِقت بريقها وحشرجت وجادت بروحها.
* * *
وفتح مدير المصرف صندوقه، فلما رآها ميتة «ممزَّقة» أعضاؤها أمر بها فأُلقيت في دُرْج اتخذوه مقبرة لأمثالها، وكتب في دفتر الصندوق:«خمسون ليرة سورية ربح صاف للمصرف»!