قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مَنْ لَمْ يُدْخِلِ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ وَلَمْ يَطُفْ مِنْ وَرَائِهِ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَلْغَى ذَلِكَ وَبَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَ طَوَافًا كَامِلًا قَبْلَ أَنْ يَسْلُكَ فِي الْحِجْرِ وَلَا يعتد بما سلك فِي الْحِجْرِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ سَلَكَ فِي الْحِجْرِ وَلَمْ يَطُفْ مِنْ وَرَائِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَعَادَ الطَّوَافَ فَإِنْ كَانَ شَوْطًا قَضَاهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ قَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَانْصَرَفَ إِلَى الْكُوفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَحَجَّةٌ تَامٌّ
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ قَالَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فَإِنْ حَلَّ أَهْرَاقَ دَمًا
وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا أُبَالِي أَصَلَّيْتُ فِي الْحِجْرِ أَمْ في البيت فليس فيه أكثر مِنْ أَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ وَأَنَّ مَنْ صَلَّى فِيهِ كَمَنْ صَلَّى فِي الْبَيْتِ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فِي الْحِجْرِ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ
وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ
وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَرُوِيَ ذلك عن بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ
وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَرَى الصَّلَاةَ فِي الْبَيْتِ جَائِزَةً نَافِلَةً وَفَرِيضَةً وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُصَلَّى الْفَرِيضَةُ خَارِجَ الْبَيْتِ وَالنَّافِلَةُ أَيْضًا
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ صَلَاةً وَاجِبَةً فِي الْبَيْتِ وَلَا فِي الْحِجْرِ
قَالَ وَمَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فِي الْحِجْرِ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْهُمَا حَتَّى بَلَغَ بَلَدَهُ أَهْرَاقَ دَمًا وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ
وَأَمَّا قول بن شِهَابٍ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ فَإِنَّمَا فِيهِ الشَّهَادَةُ بِأَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَطُفْ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَا خِلَافَ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُدْخِلِ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ لَا يَجْزِيهِ ذَلِكَ الطَّوَافُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَنُوبُ عَنْهُ الدَّمُ لِمَنْ رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ أَمْ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ