فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ الصَّدَاقُ بِهِبَتِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ قَدْ أَنَكَحْتُكَ أَوْ زَوَّجْتُكَ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَرَبِيعَةَ قَالَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الهبة
وهو قول المغيرة وبن دينار وبن أَبِي سَلَمَةَ
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ
وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إِذَا أَرَادُوا النِّكَاحَ وَفَرَضُوا الصَّدَاقَ
وَالثَّانِي كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَرَبِيعَةَ
وقال بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تَحِلُّ الْهِبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ وَإِنْ كَانَتْ هِبَتُهُ إِيَّاهَا لَيْسَتْ عَلَى نِكَاحٍ وإنما وهبها له ليحضنها أو ليكلفها فلا أرى بذلك بأسا
قال بن الْقَاسِمِ وَإِنْ وَهَبَ ابْنَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ إِنْكَاحَهَا فَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ كَالْبَيْعِ
وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَالَ أَهَبُ لَكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ الْبَغْدَادِيِّينَ قَالُوا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ قَدْ وَهَبْتُ لَكَ ابْنَتِي عَلَى دِينَارٍ جَازَ وَكَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا وَكَانَ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حي ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا شهد عَلَيْهِ وَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى إِنْ كَانَ سَمَّى وإن لم يسم لها مَهْرُ مِثْلِهَا
وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَيْضًا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالتَّصْرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ قَالُوا فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ
قَالُوا وَالَّذِي خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَرِّي الْبُضْعِ مِنَ الْعِوَضِ لَا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ هِبَةٌ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَجَبَ أَلَّا يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ النِّكَاحُ مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّصْرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يقاس عليه