للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحٌ بِقَوْلِهِ قَدْ أَحْلَلْتُ وَقَدْ أَبَحْتُ لَكَ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْهِبَةِ

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَبْلَغَ الصَّدَاقِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا تَصْلُحُ بِهِ الْإِجَازَاتُ وَالْبِيَاعَاتُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْخِدْمَةِ

وَهَذَا كُلُّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كما أنهم قد اخْتَلَفُوا فِي النِّكَاحِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَذْكُرُ ذلك كله ها هنا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ

فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مِقْدَارِ مَبْلَغِ الصَّدَاقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِدُونِهِ

فَقَالَ مَالِكٌ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وأصحابه حاشا بن وَهْبٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ صَدَاقٌ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كيلا من الورق أَوْ قِيمَةِ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ الَّتِي يَجُوزُ مِلْكُهَا

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَيْلًا قِيَاسًا عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ

وَكَذَلِكَ قَاسَهُ مَالِكٌ عَلَى مَا تُقْطَعُ الْيَدُ عِنْدَهُ فِيهِ

وَقَالَ له الدراوردي تعرفت فِيهَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ذَهَبْتُ فِيهَا مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ

وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَالِكٍ

وَاحْتَجُّوا لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبُضْعَ عُضْوٌ مُسْتَبَاحٌ بِبَدَلٍ مِنَ الْمَالِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا قِيَاسًا عَلَى قَطْعِ الْيَدِ

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا شَرَطَ عَدَمَ الطَّوْلِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَأَبَاحَهُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّوْلَ لَا يَجِدُهُ كُلُّ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ الْفِلْسُ وَالدَّانِقُ وَالْقَبْضَةُ مِنَ الشَّعِيرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ طَوْلًا لَمَا عَدِمَهُ أَحَدٌ

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوْلَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْمَالُ وَلَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ عِنْدَهُمْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ طَوْلًا

قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي مَبْلَغِ أَقَلِّ الصَّدَاقِ بَيْنَ صَدَاقِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>