وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا شَذَّ فِيهِ مُعَاوِيَةُ وَمَا شذ فيه بن عَبَّاسٍ أَيْضًا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ لَا فِيمَا خَالَفَهَا مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ جَهَالَةٌ يَلْزَمُ رَدُّهَا إِلَى السُّنَّةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الطَّعَامِ كُلِّهِ وَالْآدَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ النَّسِيئَةُ وَقَوْلُ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى صَوَابِ الْقَوْلِ فِي الْأَصْنَافِ مِمَّا يَقْطَعُ عِنْدَ ذَوِي الْأَفْهَامِ الِاخْتِلَافَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَشَذَّ دَاوُدُ فَأَجَازَ النَّسِيئَةَ وَالتَّفَاضُلَ فِيمَا عَدَا الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ مِنَ الطَّعَامِ وَالْآدَامِ لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) الْبَقَرَةِ ٢٧٥ فَلَمْ يَضُمَّ إِلَى النَّسِيئَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ شَيْئًا غَيْرَهَا وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ والملح
وشذ بن عُلَيَّةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالَ إِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ كَالْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالْبُرِّ بِالزَّبِيبِ فَلَيْسَ بِوَاحِدٍ بِأَضْعَافِ الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً - قِيَاسًا لِكُلِّ مَا يُكَالُ عَلَى مَا يُوزَنُ
قَالَ وَلَمَّا أَجْمَعُوا فِي الْمَوْزُونَاتِ أَنَّهَا جَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحَدِيدَ وَالْقُطْنَ وَالْعُصْفُرَ وَمَا يُوزَنُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ شَيْءٌ مِنَ الْمَوْزُونِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ كُلُّ شَيْءٍ يُكَالُ أَبْعَدُ شَبَهًا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ بِأَضْعَافِهِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا أَصَابَ وَجْهَ الْقِيَاسِ وَلَا اتَّبَعَ الْجُمْهُورَ وَلَا اعْتَبَرَ الْآثَارَ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَلِدَاوُدَ سَلَفًا فِيمَا ذَهَبَا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَعَ تَضَادِّ أُصُولِهِمَا فِي الْقِيَاسِ إلا حديث يرويه بن جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَأَيُّوبُ بْنُ موسى أن نافعا أخبرهما أن بن عُمَرَ بَاعَ تَمْرًا بِالْغَابَةِ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ حِنْطَةً بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ نَحْوُ ذَلِكَ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ زَبِيبٍ وَصَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ سَمْنٍ فَإِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ بِالتَّمْرِ جِزَافًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute