وأما صحيفة الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ فَصَحِيفَةٌ مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ مَعْلُومٌ مَا فِيهَا
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْكِتَابِ عَنْهُ
رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحْفَظَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّهُ كَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْتُبُ كُلَّ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ قَالَ ((نَعَمْ فَإِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا))
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هذه الأحاديث في كتاب العلم
روينا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَسَمِعَ شُعَيْبٌ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
وَقَوْلُ عَلِيٍّ هَذَا مَعَ إِمَارَتِهِ وَعِلْمِهِ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَشْرُوعٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ أَنَّ الْبَيْعَ إِذَا انْعَقَدَ عَلَى أَنْ يُسَلِّفَ الْمُبْتَاعُ الْبَائِعَ سَلَفًا مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ سَلَّفَ الْبَائِعُ الْمُبْتَاعَ مَعَ سِلْعَتِهِ الْمَبِيعَةِ سَلَفًا يَنْعَقِدُ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّفْقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الثَّمَنُ بالسلف مجهولا والسنة المجتمع عليه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الثَّمَنُ إِلَّا مَعْلُومًا
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ أَسْلَفَهُ خَمْسَةً أَوْ عَشَرَةً فَلَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ عَشَرَةً إِلَّا بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنَ السَّلَفِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَلِذَلِكَ صَارَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَعْلُومٍ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنْ تَرَكَ السَّلَفَ الَّذِي اشْتَرَطَهُ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا فَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ
وَكَانَ سَحْنُونٌ يَقُولُ إِنَّمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إِذَا لَمْ يَقْبِضِ السَّلَفَ وَتَرَكَ وَأَمَّا إِذَا قَبَضَ السَّلَفَ فَقَدْ تَمَّ الرِّبَا بَيْنَهُمَا وَالْبَيْعُ - حِينَئِذٍ - مَفْسُوخٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ((فَإِنْ رَدَّ السَّلَفَ)) وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ جَاءَ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) ((تَرَكَ السَّلَفَ)) لِأَنَّ رَدَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وإذا قبض السلف فَهُوَ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا بِمِائَةٍ وَاشْتَرَطَ أَنْ يُسْلِفَهُ سَلَفًا كَانَ الْبَيْعُ مَفْسُوخًا إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لَا حَاجَةَ لِي فِي السَّلَفِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ