قَالَ أَبُو عُمَرَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ فَسَخَ وَإِنْ فَاتَ تَرَكَ الَّذِي قَبَضَ السَّلَفَ السَّلَفَ وَكَانَ لِلْبَائِعِ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا بَاعَهَا بِهِ فَأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي أَسْلَفَ الْمُبْتَاعَ سَلَفًا ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا مُعَجَّلًا فَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ عَلَى أَنْ أَسْلَفَ مَعَهُ سَلَفًا وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ هُوَ الَّذِي أَسْلَفَ الْبَائِعَ فُسِخَ الْبَيْعُ أَيْضًا بَيْنَهُمَا وَرَجَعَ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ سِلْعَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ إِلَّا أَنْ تَنْقُصَ قِيمَتُهَا مِنَ الثَّمَنِ فَلَا يَنْقُصُ الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ عَلَى أَنْ أَسْلَفَ مَعَهُ سَلَفًا
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَإِنْ رَضِيَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ بِتَرْكِهِ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إِذَا وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أُجِيزَ حَتَّى يُفْسَخَ وَيُسْتَأْنَفَ فِيهِ عَقْدٌ آخَرُ وَالْقِيمَةُ عِنْدَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّفُ الْبَائِعَ أَوِ الْمُشْتَرِيَ
وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ قَدْ رَوَى بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ تَرَكَ السَّلَفَ قَالَ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْبَيْعِ فَاسِدًا فِي اشْتِرَاطِ السَّلَفِ كَالْبَيْعِ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ إِلَّا أَنْ يَفُوتَ فَيَرُدُّ السَّلَفَ وَيَصْلُحُ بالقيمة
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ الْبُرْكَانِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ فَقَالَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ وَبَيْنَ رَجُلٍ بَاعَ غُلَامًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقِّ خَمْرٍ أَوْ شَيْءٍ حَرَامٍ ثُمَّ قَالَ أَنَا أَدَعُ الْزِّقَّ أَوِ الشَّيْءَ الْحَرَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهَذَا الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ جَائِزٍ
فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُشْتَرِطَ السَّلَفِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ وَلَيْسَ مَسْأَلَتُكَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَكُونُ مِثْلَ مَسْأَلَتِكَ لَوْ قَالَ أَبِيعُكَ غُلَامِي بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنِّي إِنْ شِئْتَ أَنْ تَزِيدَنِي زِقَّ خَمْرٍ زِدْتَنِي وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ ثُمَّ تَرَكَ زِقَّ الْخَمْرِ فَجَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ أَخَذَهُ فُسِخَ الْبَيْعُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَصْنَعْ إِسْمَاعِيلُ شَيْئًا لِأَنَّ مُشْتَرِيَ الْزِّقِّ مِنَ الْخَمْرِ إِذَا شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ تَرَكَهُ كَصَاحِبِ السَّلَفِ سَوَاءً وَلَمْ تَقَعْ مَسْأَلَةُ السَّلَفِ الْمُشْتَرَطِ وَلَا مَسْأَلَةُ الْزِّقِّ مِنَ الْخَمْرِ الْمُشْتَرَطِ أَيْضًا فِي أَصْلِ الْبَيْعِ وَعَقْدُ الصَّفْقَةِ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إن شئت أن تريد وَلَا إِنْ شِئْتَ أَنْ تُسْلِفَنِي فَاعْتَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute