للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ))

وَقَالَ بَعْضُهُمْ ((وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ))

وَالسَّمْرَاءُ عِنْدَهُمُ الْبُرُّ يَقُولُ تَمْرٌ لَا بُرٌّ

قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ((فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُبْتَاعَ الْمُصَرَّاةِ إِذَا حَلَبَهَا مَرَّةً وَثَانِيَةً بَعْدَ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مُصَرَّاةً لَمْ يَكُنْ فِي حَلْبَتِهِ الثَّالِثَةِ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِهِ إِذَا قَامَ طَالِبًا لِرَدِّهَا بِمَا قَامَ لَهُ مِنْ تَصْرِيَتِهَا فَلَوْ حَلَبَهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ كَانَ مِنْهُ رِضًى بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا

وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْحَلْبَةَ الثَّالِثَةَ رِضًا مِنْهُ بِهَا

وَكُلُّ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ لَمَّا كَانَ لَبَنُهَا مَغِيبًا لَا يُوقَفُ عَلَى مَبْلَغِهِ لِاخْتِلَاطِ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَحْدُثُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ يَوْمِهِ وَجَهِلَ مِقْدَارَهُ وَأَمْكَنَ التَّدَاعِي فِي قِيمَةِ قَطْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُصُومَةَ فِي ذَلِكَ بِمَا حَدَّهُ فِيهِ مِنَ الصَّاعِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ قَطَعَ فِيهِ بِالْغُرَّةِ حَسْمًا لِتَدَاعِي الْمَوْتِ فِيهِ وَالْحَيَاةِ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَمَّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فِي حِينِ ضُرِبَ بَطْنُ أُمِّهِ فَتَكُونَ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّنَازُعَ فِيهِ وَالْخِصَامَ بِأَنْ جَعَلَ فِيهِ غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى صِحَّتِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِذَا رَمَتْهُ مَيِّتًا

وَفِي اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِحَدِيثِ الْجَنِينِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِ الْقَوْلِ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَتَسْلِيمًا لَهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ

قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّبَنَ الْمَحْلُوبَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى - وَهُوَ لَبَنُ التَّصْرِيَةِ وَقَدْ خَالَطَهُ جُزْءٌ مِنَ اللَّبَنِ الْحَادِثِ فِي مِلْكِ الْمُبْتَاعِ وَكَذَلِكَ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ

وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَبَهَا ثَالِثَةً مِثْلَ ذَلِكَ غَلَّةٌ طَارِئَةٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَرُدُّ لَهُ شَيْئًا

قَالُوا وَالْأُصُولُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا فِي الْمُسْتَهْلَكَاتِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ إِلَّا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْقَوْلُ فِي ضَمَانِ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ الَّذِي حَلَبَهُ الْمُشْتَرِي فِي أَوَّلِ حَلْبَةٍ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ فِي حِينِ الْبَيْعِ لَمْ يُضْمَنْ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>