للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَنَذْكُرُ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبَابِ بَعْدَ هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ لَوْ قَبِلَ اسْتِلْحَاقَ غَيْرِ الْأَبِ كَانَ فِيهِ حُقُوقٌ عَلَى الْأَبِ بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ وَلَا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ) أَيْ هُوَ عبد ملكا لانه بن وَلِيدَةِ أَبِيكَ وَكُلُّ أَمَةٍ تَلِدُ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا فَوَلَدُهَا عَبْدٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْقُلُ فِي الْحَدِيثِ اعْتِرَافَ سَيِّدِهَا بِوَطْئِهَا وَلَا شُهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَتِ الْأُصُولُ تَدْفَعُ قَبُولَ ابْنِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَضَاءُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ تَبِعَ لِأُمِّهِ وَأَمَرَ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ مِنْهُ إِلَّا شِقْصًا

وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الطَّبَرِيِّ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فيه اخي وبن وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ خَارِجٌ مُحْتَمَلٌ عَلَى الْأُصُولِ

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ (هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ) فَمَعْنَاهُ هُوَ لَكَ بِيَدِكَ عَلَيْهِ لَا أَنَّكَ تَمْلِكُهُ وَلَكِنْ تَمْنَعُ بِيَدِكَ عَلَيْهِ كُلَّ مَنْ سِوَاكَ مِنْهُ كَمَا قَالَ فِي اللُّقَطَةِ هِيَ لَكَ بِيَدِكَ عَلَيْهَا تَدْفَعُ غَيْرَكَ عَنْهَا حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهَا لَيْسَ عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنًا لِزَمْعَةَ ثُمَّ يَأْمُرَ أُخْتَهُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ هَذَا مِحَالٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ ادِّعَاءَ سَعْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلَا دَعْوَى بِشَيْءٍ لِأَنَّ سَعْدًا إِنَّمَا ادَّعَى شَيْئًا كَانَ مَعْرُوفًا في الجاهلية من لحوق ولد الزنى بِمَنِ ادَّعَاهُ

قَالَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَقْضِي بِذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ - إِذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشٌ - فَادَّعَى سَعْدٌ وَصِيَّةَ أَخِيهِ بِمَا كَانَ يَحْكُمُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِهِ فَكَانَتْ دَعْوَاهُ لِأَخِيهِ كَدَعْوَى أَخِيهِ لِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ قابلة بدعوى توجب عتقا للمدعي على المدع عَلَيْهِ لِأَنَّ مُدَّعِيَهُ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَهُ حِينَ ادَّعَى فِيهِ مَا ادَّعَى وَيُعْتِقُ عَلَيْهِ مَا كَانَ يَمْلِكُ مِنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَبْطَلَ دَعْوَى سَعْدٍ وَلَمَّا كَانَ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ شَرِيكٌ فِيمَا ادَّعَاهُ وَهِيَ أُخْتُهُ سَوْدَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهَا فِي ذَلِكَ التَّصْدِيقَ لِمَقَالَتِهِ أَلْزَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أُخْتِهِ إِذْ لَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَمْ تَجْعَلْهُ أَخَاهَا وَأَمَرَهَا بِالْحِجَابِ مِنْهُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ حَسَنٌ كُلُّهُ إِلَّا قَوْلَهُ (فَكَانَتْ دَعْوَى سَعْدٍ لِأَخِيهِ كَدَعْوَى أَخِيهِ لِنَفْسِهِ) هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي ذَلِكَ مَا يُصَدِّقُ دَعْوَاهُ عَلَى أَخِيهِ وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>