فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ) أَرَى أَنَّهُ لَازِمٌ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ عَلَى مَنْ أَبَاهُ وَأَنْ يُجْبِرَهُ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ مِنَ الضَّرَرِ أَنْ يَدْفَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ فَيَمْنَعَهُ بِذَلِكَ الْمَنْفَعَةَ وَصَاحِبُ الْجِدَارِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) وَقَالَ عُمَرُ لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا لَا يَضُرُّكَ
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلْجَارِ إِذَا تَهَوَّرَتْ بِئْرُهُ أَنْ يَسْقِيَ نَخِيلَهُ وَزَرْعَهُ مِنْ بِئْرِهِ وَهَذَا أَبْعَدُ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبَةِ فِي جِدَارِ الْجَارِ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُضَرُّ بِالْجِدَارِ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يُوهِنَ الْجِدَارُ وَيَضُرَّ بِهِ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الْجِدَارِ عَلَى ذَلِكَ وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْخَشَبِ احْتَلْ لِخَشَبِكَ
قَالَ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ رَبِيعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي حَائِطِ الْمَازِنِيِّ
قَالَ فَهَذَا أَيْضًا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَجْرَى ذَلِكَ الرَّبِيعِ كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَائِطِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدِ اسْتَحَقَّهُ فَأَرَادَ تَحْوِيلَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى هِيَ أَقْرَبُ عَلَيْهِ وَأَرْفَقُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ
قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ فِي قِصَّةِ الضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ يَرَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا فِي الْحُكْمِ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَشْدِيدًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مسلمة ولا ينبغي لاحد أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَحَقَّ بِمَالِهِ مِنْهُ إِلَّا بِرِضَاهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ مِثْلُ هَذَا يَلْزَمُ فِي قِصَّةِ رَبِيعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي حَائِطِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْهُ مَجْرَى رَبِيعٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَمِلْكُ الْأَنْصَارِيِّ لَا يَحِلُّ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ كَمَا لَوِ اكْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ دَارًا أَوْ حَانُوتًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ إلى غيره لم يجز له عندهم ذلك إِلَّا بِرِضَا الْمُكْتَرِي وَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَابُ فِي ذَلِكَ بَابًا وَاحِدًا وَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِالْمِرْفَقِ خَارِجًا عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طيب نفس منه) بدليل حديث ابي هريرة في غرز الخشب على الجدار وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بانه لا يجوز للجار ان يمنع جاره ما لا يضره فيكون حينئذ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبٍ نَفْسٍ مِنْهُ) خَرَجَ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالرِّقَابِ وَاسْتِهْلَاكِهَا إِذَا أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذَنْ صَاحِبِهَا لَا عَلَى الْمَرَافِقِ وَالْآثَارِ الَّتِي لَا تُسْتَحَقُّ بِهَا رَقَبَةٌ وَلَا عَيْنُ شَيْءٍ وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِهَا مَنْفَعَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute