وَالشَّعْبِيِّ لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ السَّيِّدُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ لَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مُكَاتَبَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبِيعُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ أَعْتِقْنِي أَوْ دَبِّرْنِي أَوْ زَوِّجْنِي لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَصِحُّ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) النُّورِ ٣٣ مِثْلُ قَوْلِهِ (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) النُّورِ ٣٢ وَذَلِكَ كُلُّهُ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ وَإِذْنٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ
وقاله زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَقَالَهُ إِسْحَاقُ إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ الْأَمَانَةُ وَالْمَالُ وَسَأَلَ سَيِّدَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ لَمْ يَسَعْهُ إِلَّا مُكَاتَبَتُهُ وَلَا يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ وَأَخْشَى أَنْ يَأْثَمَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ
وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) النور ٣٣ مثل قَوْلِهِ (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الْمَائِدَةِ ٢ وَقَوْلِهِ (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الْجُمُعَةِ ١٠
وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ وَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ حَظْرٍ وَمَنْعٍ فَكَانَ مَعْنَاهُمَا الْإِبَاحَةَ وَالْخُرُوجَ مِنْ ذَلِكَ الْحَظْرِ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) الْمَائِدَةِ ٩٥ وَقَالَ تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الْمَائِدَةِ ٩٦ فَمَنَعَهُمْ مِنَ الصَّيْدِ مَا دَامُوا مُحْرِمِينَ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الْمَائِدَةِ ٢ فَعُلِمَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ لِمَا حُظِرَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّيْدِ وَمُنِعُوا مِنْهُ لَا إِيجَابَ الِاصْطِيَادِ وَكَذَلِكَ مُنِعُوا مِنَ التَّصَرُّفِ وَالِاشْتِغَالِ بِكُلِّ مَا يَمْنَعُ مِنَ السَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِذَا نُودِيَ لَهَا وَأُمِرُوا بِالسَّعْيِ لَهَا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الْجُمُعَةِ ١٠
فَعَلِمَ أَهْلُ اللِّسَانِ أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ بِالِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ إِبَاحَةٌ لِمَنْ شَاءَ
وَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَفَهِمُوهُ مِنْ مَعْنَى كِتَابِ رَبِّهِمْ فَقَالُوا لَا بَأْسَ بِتَرْكِ الصَّيْدِ لِمَنْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَلَا بَأْسَ بِالْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لِمَنْ قَضَى صَلَاةَ الْجُمُعَةِ
وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ لِمَنِ ابْتَغَاهَا مِنَ الْعَبِيدِ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ لَا يُكَاتَبُوا فَيَكُونُ الْأَمْرُ إِبَاحَةً بِالصَّيْدِ وَالِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute