وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَجْلِدَا
وَمِنْ أَوْضَحِ شَيْءٍ فِي هَذَا المعنى واصحه حديث بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِيهِ أَنَّهُ جَلَدَ الْبِكْرَ وَغَرَّبَهُ عَامًا وَرَجَمَ الْمَرْأَةَ وَلَوْ جَلَدَ لَنُقِلَ ذَلِكَ كَمَا نُقِلَ أَنَّهُ رَجَمَهَا وَكَانَتْ ثَيِّبًا
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حِينِ نُزُولِ الْآيَةِ فِي الزُّنَاةِ وَذَلِكَ أَنَّ الزُّنَاةَ كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْعُدُولِ أَنْ يُمْسَكُوا فِي الْبُيُوتِ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجَلْدِ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فَكَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةً وَلَمْ يَجْلِدْ مَعَ الرَّجْمِ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا حُكْمٌ أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَسَخَ بِهِ مَا قَبْلَهُ
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي أَحْكَامِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَبْتَلِيَ عِبَادَهُ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الْجَلْدَ مَعَ الرَّجْمِ وَيَقُولُ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْلِدْ
وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمَرْجُومِ جَلْدٌ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ رَجَمَ وَلَمْ يَجْلِدْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَمَ وَلَمْ يَجْلِدْ آثَارًا كَثِيرَةً فِي (التَّمْهِيدِ)
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الثَّيِّبَ مِنَ الزُّنَاةِ إِنْ كَانَ شَابًّا رُجِمَ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا جُلِدَ وَرُجِمَ
وَقَالَهُ مَسْرُوقٌ وَقَالَتْ بِهِ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ
وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ بِذَلِكَ عَنْ مَسْرُوقٍ فِي (التَّمْهِيدِ)
فَهَذَا مَا لِلْجَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْأَقَاوِيلِ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْخَوَارِجُ مِنْهُمْ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الرَّجْمَ عَلَى زَانٍ مُحْصَنٍ وَلَا غَيْرِ مُحْصَنٍ وَلَا يَرَوْنَ عَلَى الزُّنَاةِ إِلَّا الْجَلْدَ