قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ الَّتِي تَكُونُ مَوْضُوعَةً بِالْأَسْوَاقِ مُحْرَزَةً قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُهَا فِي أَوْعِيَتِهِمْ وَضَمُّوا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ إِنَّهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ شيئا من جرزه فَبَلَغَ قِيمَتُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عِنْدَ مَتَاعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَيْلًا ذَلِكَ أَوْ نَهَارًا
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ هَذَا حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ إِذْ سُرِقَ رِدَاؤُهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ تَحْتِ تَوَسُّدِهِ وَهُوَ نَائِمٌ وَالنَّائِمُ كَالْغَائِبِ عَنْ مَتَاعِهِ وَغَلْقُ الْوِعَاءِ عَلَى الْمَتَاعِ كَغَلْقِ بَابِ الدَّارِ وَالْبَيْتِ
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَنْ فَتَحَ بَابَ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ وَسَرَقَ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ الْمِقْدَارَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَقَدْ أَبَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ ان يجعلوا ذلك خرزا إِذَا غَابَ عَنْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَقَلَهُ وَلَا تَحْتَ حِرْزِهِ وَقُفْلِهِ
وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الرَّأْيِ يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ
وَالْأَصْلُ عِنْدِي فِي هَذَا وَمَا كَانَ مِثْلُهُ أَنْ لَا يُرَاقَ دَمُ السَّارِقِ الْمُسْلِمِ إِلَّا بِيَقِينٍ وَالتَّيَقُّنُ أَصْلٌ أَوْ قِيَاسٌ غَيْرُ مَدْفُوعٍ عَلَى أَصْلٍ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ وَأَيْسَرُ مِنَ الْخَطَأِ فِي الْعُقُوبَةِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ كُلَّ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا فَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ سَرَقَهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا
قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْرِقُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ ثُمَّ يُوجَدُ مَعَهُ مَا سَرَقَ فَيُرَدُّ إِلَى صَاحِبِهِ إِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ
وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ هَذَا بِالشَّارِبِ يُوجَدُ مِنْهُ ريح الشراب فيحد وهذا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ مُوَافِقِيهِ فَضْلًا عَنْ مُخَالِفِيهِ
وَالْقَطْعُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كُلِّ سَارِقٍ أَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ حِرْزِهِ وَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ لِلْآدَمِيِّ فِي الْقَطْعِ حَقٌّ فَإِنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ أَخَذَهُ بِإِجْمَاعٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَا لَهُ الْعَفْوُ عَنِ السَّارِقِ إِذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ وَهُوَ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّارِقِ تُقْطَعُ يَدُهُ وَقَدِ اسْتَهْلَكَ الْمَتَاعَ
فَقَالَ مَالِكٌ يُغَرِّمُهُ إِنْ كَانَ مَلِيئًا فِي حِينِ الْقَطْعِ أَوْ فِي حِينِ الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ السَّرِقَةِ