قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا خِلَافُ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ لِأَنَّ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَّأَ الْأَنْصَارَ بِالْأَيْمَانِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ الْأَنْصَارَ الْبَيِّنَةَ فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ أَرَادَ أَيْمَانَ الْيَهُودِ فَلَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ فَأَرَادَ أَيْمَانَهُمْ لِيَقْضِيَ لَهُمْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ دِيَةٍ أَوْ قَوَدٍ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ
وَهَذِهِ قِصَّةٌ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لِإِبَاءِ الْمُدَّعِينَ مِنَ الْأَيْمَانِ وَمِنْ قَبُولِ أَيْمَانِ الْيَهُودِ وَتَبَرَّعَ بِأَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ مِنْ مَالِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِئَلَّا يُطَلَّ دَمُ مُسْلِمٍ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَمَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَرْوِيَّةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَالتَّضَادِّ مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَإِنَّ الْآثَارَ فِيهَا مُتَضَادَّةٌ مُتَدَافِعَةٌ وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَسَامَةِ وما يوجبها والأيمان فيها ومن يبدؤوا بِهَا وَهَلْ يَجِبُ بِهَا الْقَوَدُ أَوْ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا غَيْرُ الدِّيَةِ وَفِي مَنْ أَثْبَتَهَا وَذَهَبَ فِيهَا إِلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَمَنْ نَفَاهَا جُمْلَةً وَلَمْ يَرَهَا
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنَازُعِ مَا يَضِيقُ بِتَهْذِيبِهِ وَتَلْخِيصِ وجوبه كتاب فضلا عن أن يجمعع فِي بَابٍ
وَسَنَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا مَا يَكْفِي وَيَشْفِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْقَسَامَةَ فَرِيقَانِ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ يَعْتَبِرُونَ الشُّبْهَةَ لِلْبَيِّنَةِ
وَاللَّوْثِ وَاللَّطْخِ وَمَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْلِ وَالظَّنِّ فَهُمْ يَطْلُبُونَ مَا يُتَطَرَّقُ بِهِ إِلَى حِرَاسَةِ الدِّمَاءِ وَلَمْ يَطْلُبْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الشَّهَادَةَ الْقَاطِعَةَ وَلَا الْعِلْمَ الصَّحِيحَ الْبَتِّ وَهَؤُلَاءِ وَأَصْحَابُهُمْ يُبَدِّئُونَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الدَّمَ بِالْأَيْمَانِ فِي دَعْوَى الدَّمِ
وَطَائِفَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ يُوجِبُونَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ عَلَى أَهْلِ الْمَوْضِعِ مَا يَعْتَبِرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ وَكُلُّهُمْ يَرَى الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مَعَ الدِّيَةِ دُونَ الْمُدَّعِينَ وَكُلُّهُمْ وَاحِدٌ
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يَنْزِعُ بَابًا نَشْهَدُ لَهُ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فَنَبْدَأُ بِقَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ نُرْدِفُهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ بِحَوَلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ