إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ
وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ بن عَبَّاسٍ هَذَا مِنْ طُرُقٍ فِي التَّمْهِيدِ فَأَوْضَحْنَا مَعْنَاهُ هُنَاكَ وَأَخْبَرْنَا عَنِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِقِيَامِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيَامِ النَّاسِ مَعَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي أَوَّلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا إِمَامَيْنِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا زَعَمَ مَنْ أَرَادَ إِبْطَالَ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْتَاجُ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ تَكْبِيرَهُ وَيُظْهِرَ إِلَيْهِمْ أَفْعَالَهُ وَكَانَتْ حَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَرَضِهِ حَالَ مَنْ يَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ فَأَقَامَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ لِيَنُوبَ عَنْهُ فِي إِسْمَاعِ النَّاسِ التَّكْبِيرَ وَرُؤْيَتِهِمْ لِخَفْضِهِ وَرَفْعِهِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي حَرَكَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ وَالنَّاسُ وَأَبُو بَكْرٍ وَرَاءَهُ قِيَامٌ
وَصَحَّتْ بِذَلِكَ النُّكْتَةُ الَّتِي بَانَ فِيهَا أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِمِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمَرِيضِ جَائِزَةٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ فَصَلُّوا جُلُوسًا مَنْسُوخٌ
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي قَاعِدًا مُنْكَرٌ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ رَبِيعَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْقَطِعٌ لَا يَصِحُّ أَيْضًا وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عَلَى الْآثَارِ الثَّابِتَةِ الصِّحَاحِ مِنْ نَقْلِ الْأَئِمَّةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ تَابَعَهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الصَّحِيحِ جَالِسًا خَلْفَ الْإِمَامِ الْمَرِيضِ جَالِسًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا
وَالثَّانِي قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ جَائِزٌ أَنْ يَقْتَدِيَ الْقَائِمُ بِالْقَاعِدِ فِي الْفَرِيضَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْقِيَامِ عَنِ الْمَأْمُومِ الصَّحِيحِ لِعَجْزِ إِمَامِهِ عَنْهُ
وَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ
وَالثَّالِثُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ جَالِسًا وَهُوَ مَرِيضٌ بِقَوْمٍ أَصِحَّاءَ قِيَامٍ وَلَا قُعُودٍ
وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ صَلُّوا قِيَامًا خَلْفَ إِمَامٍ مَرِيضٍ جَالِسٍ فَعَلَيْهِمْ عِنْدَ مَالِكٍ الْإِعَادَةُ قِيلَ عَنْهُ فِي الْوَقْتِ وَقِيلَ أَبَدًا
قَالَ سَحْنُونُ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَنْ قَالَ يُعِيدُ الْإِمَامُ الْمَرِيضُ مَعَهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ دُونَهُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي قَائِمٍ اقْتَدَى