ومنها: أن المدفون فيها أعظم في قلوب عباد القبور من الله وأخوف، ولهذا لو طلبت من أحدهم اليمين بالله تعالى أعطاك ما شئت من الأيمان كاذبًا أو صادقًا، وإذا طلبت بصاحب التربة لم يقدم إن كان كاذبًا.
ولا ريب أن عباد الأوثان ما بلغ شركهم إلى هذا الحد، بل كانوا إذا أرادوا تغليظ اليمين، غلَّظوها بالله كما في قصة القسامة وغيرها.
ومنها: سؤال الميت قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والإخلاص له من دون الله في أكثر الحالات.
ومنها: التضرع عند مصارع الأموات، والبكاء بالهيبة والخشوع لمن فيها أعظم مما يفعلونه مع الله في المساجد والصلوات.
ومنها: تفضيلها على خير البقاع وأحبها إلى الله، وهى المساجد، فيعتقدون أن العبادة والعكوف فيه أفضل من العبادة والعكوف في المساجد، وهذا أمر ما بلغ إليه شرك الأولين، فإنهم يعظمون المسجد الحرام أعظم من بيوت الأصنام يرون فضله عليها، وهؤلاء يرون العكوف في المشاهد أفضل من العكوف في المساجد.
ومنها: أن الذي شرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور إنما هو تذكرة الآخرة، كما قال:«زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة»، والإحسان إلى المزور بالترحُّم عليه، والدعاء له والاستغفار، وسؤال العافية له، فيكون الزائر محسنًا إلى نفسه وإلى الميت، فقلبَ عبَّاد القبور الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصود بالزيارة: الشرك بالميت ودعاءه والدعاء به، وسؤاله حوائجهم ونصرهم على الأعداء ونحو ذلك. فصاروا مسيئين إلى نفوسهم وإلى الميت، ولو لم يكن إلاَّ بحرمانه بركة ما شرعه الله من الدعاء والترحم عليه والاستغفار له.