الله، أو طلب ذلك اتباعًا لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن.
فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك، وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله:{يَزْعُمُونَ} من نفي إيمانهم، فإن يزعمون إنما يقال غالبًا: لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها، يحقق هذا قوله:{وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ}، لأن الكفر بالطاغوت: ركن التوحيد. كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحدًا، والتوحيد هو: أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه.
كما أن ذلك بيّن في قوله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ}[البقرة: ٢٥٦]، وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت: إيمان به.
وقوله:{وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء: ٦٠]، يبيِّن تعالى في هذه الآية أن التحاكم إلى الطاغوت مما يأمر به الشيطان ويزيِّنه لمن أطاعه، ويبيِّن أن ذلك مما أضل به الشيطان من أضله، وأكده بالمصدر، ووصفه بالعبد، فدلَّ على أن ذلك من أعظم الضلال وأبعده عن الهدى.
ففي هذه الآية أربعة أمور:
الأول: أنه من إرادة الشيطان.
الثاني: أنه ضلال.
الثالث: تأكيد بالمصدر.
الرابع: وصفه بالبعد عن سبيل الحق والهدى.
فسبحان الله ما أعظم هذا القرآن وما أبلغه، وما أدله على أنه كلام رب العالمين، أوحاه إلى رسوله الكريم، وبلَّغه عبده الصادق الأمين. صلوات الله وسلامه عليه» (١).