الأول: أن هذا الحديث من أصله، وإن صححه الترمذي، فإن في ثبوته نظرًا؛ لأن الترمذي يتساهل في التصحيح كالحاكم، لكن الترمذي أحسن نقدًا، كما نصّ على ذلك الأئمة، ووجه عدم ثبوته أنه قد نص: أنا أبا جعفر الذي عليه مدار هذا الحديث هو غير الخطمي، وإذا كان غيره، فهو لا يعرف، ولعل عمدة الترمذي في تصحيحه أن شعبة لا يروي إلاَّ عن ثقة، وهذا فيه نظر، فقد قال عاصم بن علي: سمعت شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلاَّ عن ثقة لم أحدثكم إلاَّ عن ثلاثة، وفي نسخة عن ثلاثين، ذكره الحافظ العراقي، وهذا اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر في حاله، ويتوقف الاحتجاج به على ثبوت صحته.
الثاني: أنه في غير محل النزاع، فأين طلب الأعمىي من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، وتوجهه بدعائه مع حضوره، من دعاء الأموات والسجود لهم ولقبورهم، والتوكل عليهم، والالتجاء إليهم في الشدائد والنذر والذبح لهم، وخطابهم بالحوائج من الأمكنة البعيدة: يا سيدي يا مولاي افعل بي كذا؟!
فحديث الأعمى شيء، ودعاء غير الله تعالى والاستغاثة به شيء آخر، فليس في حديث الأعمى شيء غير أنه طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره:«اللهم فشفعه فيَّ» فعلم أنه شفع له.
وفي رواية أنه طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له، فدل الحديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - شفع له بدعائه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره هو أن يدعو الله ويسأله قبول شفاعته، فهذا من أعظم الأدلة على أن دعاء غير الله شرك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدعى، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقدر على شفائه إلاَّ بدعاء الله له.