فأين هذا من تلك الطوام؟، والكلام إنما هو في سؤال الغائب، أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلاَّ الله، أما أن تأتي شخصًا يخاطبك فتسأله أن يدعو لك، فلا إنكار في ذلك، على ما في حديث الأعمى، فالحديث سواء كان صحيحًا أو لا، وسواء ثبت قوله فيه:(يا محمد) أو لا، لا يدل على سؤال الغائب، ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلاَّ الله بوجه من وجوه الدلالات. ومن ادعى ذلك، فهو مفتر على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه إن كان سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه، فهو لم يسأل منه إلاَّ ما يقدر عليه، وهو أن يدعو له، وهذا لا إنكار فيه وإن كان توجه به من غير سؤال منه نفسه، فهو لم يسأل منه، وإنما سأل من الله به، سواء كان متوجهًا بدعائه، كما هو نص أول الحديث وهو الصحيح، أو كان متوجهًا بذاته على قول ضعيف.
(التوجه إلى الخالق بذوات المخلوقين بدعة منكرة، وأجنبية عن الشريعة وفهم حامليها).
فإن التوجه بذوات المخلوقين، والإقسام بهم على الله بدعة منكرة، لم تأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من أصحابه، والتابعين لهم بإحسان، ولا الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة الدين.
قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلاَّ به، وقال أبو يوسف: أكره بحق فلان وبحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت، والمشعر الحرام. وقال القدوري: المسألة بحق المخلوق لا تجوز، فلا يقول: أسألك بفلان، أو بملائكتك، أو أنبيائك، ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، واختاره العز بن عبد السلام، إلاَّ في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة إن ثبت الحديث، يشير إلى حديث الأعمي، وقد تقدم أنه على تقدير ثبوته ليس فيه إلاَّ أنه توسل بدعائه لا بذاته» (المختصر المفيد: ص ٢٧٦ - ٢٧٩).
خامسًا: أن الإكثار من مدارسة هذه القضايا ومناقشتها ودعوة الناس إليها يثمر أمرين مهمين هما: