ومن الغريب أن ظهور هذا المذهب الجديد في نجد قد أحاطت به ظروف تذكر بظهور الإسلام في الحجاز فقد دعا صاحبه إليه باللين أول الأمر فتبعه بعض الناس، ثم أظهر دعوته فأصابه الاضطراب وتعرض للخطر ثم أخذ يعرض نفسه على الأمراء ورؤساء العشائر كما عرض نفسه على القبائل ثم هاجر إلى الدرعية، وبايعه أهلها على النصر، كما هاجر النبي إلى المدينة ولكن ابن عبد الوهاب لم يرد أن يشتغل بأمور الدنيا فترك السياسة لابن سعود واشتغل هو بالعلم والدين، واتخذ السياسة وأصحابها أداة لدعوته فلما تم له هذا، أخذ يدعو الناس إلى مذهبه فمن أجاب منهم قبل منه ومن امتنع عليه أغرى به السيف وشب عليه الحرب.
وقد انقاد أهل نجد لهذا المذهب وأخلصوا له وضحوا بحياتهم في سبيله على نحو ما انقاد العرب للنبي وهاجروا معه.
«ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب وحاربوه في داره بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها لكان من المرجو جدًا أن يوحد هذا المذهب كله كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول ولكن الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب وقد كان هذا الأثر عظيمًا خطيرًا من نواح مختلفة، فهو أيقظ النفوس العربية ووضع أمامها مثلاً أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم والسنان، وهو قد لفت المسلمين جميعًا وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص إلى جزيرة العرب». اهـ. (ينظر كتاب: محمد بن عبد الوهاب «ص ١٣٠ - ١٣٢» لأحمد عبد الغفور عطار).