السماوات والأرض عبيد له مقهورون لقهره، مصرَّفون بمشيئته، لو أهلكهم جميعًا لم ينقص من عزه وسلطانه وملكه وربوبيته وإلهيته مثقال ذرة ....
فمتَّخذ الشفيع لا تنفعه شفاعته ولا يشفع فيه، ومتخذ الرب وحده إلهه ومعبوده ومحبوبه ومرجوه ومخوفه، الذي يتقرب إليه وحده، ويطلب رضاه، ويتباعد من سخطه، هو الذي يأذن الله سبحانه للشفيع أن يشفع له، قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[يونس: ١٨].
فبين سبحانه وتعالى أن متَّخذي الشفعاء: مشركون، وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذهم.
وسر الفرق بين الشفاعتين: أن شفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خلقًا ولا أمرًا ولا إذنًا، بل هو سبب محرك له من خارج كسائر الأسباب، وهذا السبب المحرك قد يكون عند المحرك لأجله ما يوافقه، كمن يشفع عنده في أمر يحبه ويرضاه، وقد يكون عنده ما يخالفه كمن يشفع إليه في أمر يكرهه، ثم قد يكون سؤاله وشفاعته أقوى من المعارض، فيقبل شفاعة الشافع، وقد يكون المعارض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع فيردها، وقد يتعارض عنده الأمران فيبقى مترددًا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد، وبين الشفاعة التي تقتضي القبول فيتوقف إلى أن يترجح عنده أحد الأمرين بمرجح.
وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب سبحانه وتعالى، فإنه ما لم يخلق شفعة الشافع، ويأذن له فيها، ويحبها منه، ويرضى عن الشافع لم يمكن أن توجد، والشافع لا يشفع عنده بمجرد امتثال أمره وطاعته له، فهو مأمور بالشفاعة