مطيع بامتثال الأمر، فإن أحدًا من الأنبياء والملائكة وجميع المخلوقات لا يتحرك بشفاعة ولا غيرها إلاَّ بمشيئة الله وخلقه.
(العلم بالفرق بين الشفاعة عند الخالق ولدى المخلوق، يبيِّن حقيقة الفرق بين التوحيد والشرك).
فالرب تعالى هو الذي يحرك الشفيع حتى يشفع، والشفيع عند المخلوق هو الذي يحرك المشفوع إليه حتى يقبل، والشافع عند المخلوق مستغن عنه في أكثر أموره، وهو في الحقيقة شريكه ولو كان مملوكه، وعبده، فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله من النفع والضر والمعاونة وغير ذلك. كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله من رزق أو نصر أو غيره، فكل منهما محتاج إلى الآخر.
ومن وفَّقه الله لفهم هذا الموضوع، تبين له حقيقة التوحيد والشرك، والفرق بين ما أثبته الله من الشفاعة، وما نفاه وأبطله. ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله، وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم علم: أن بين السلف وبين هؤلاء الخلوف من البعد، أبعد مما بين المشرق والمغرب، وأنهم على شيء والسلف على شيء، كما قيل:
سارت مشرِّقة وسرت مغرِّبًا ... شتان بين مشرِّق ومعرِّب
والأمر والله أعظم مما ذكرناه. انتهى.
وبه كمل الجواب، والحمد لله الذي هدانا لدينه الذي رضيه لعباده، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وصلَّى الله على سيد المرسلين، وإمام المتقين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا» (١).