وقال ابن القيم رحمه الله في معنى حديث أبي هريرة: تأمل هذا الحديث كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم، فقلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع.
ومن جهل المشرك: اعتقاده أن من اتخذ وليّا أو شفيعًا أنه يشفع له وينفعه عند الله، كما يكون خواص الولاة والملوك تنفع من والاهم، ولم يعلموا أنه لا يشفع عنده أحد إلاَّ بإذنه في الشفاعة، ولا يأذن في الشفاعة إلاَّ لمن يرضى قوله وعمله، كما قاله في الفصل الأول:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢٥٥]، وفي الفصل الثاني:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨]، وبقى فصل ثالث، وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلاَّ توحيده واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهذه ثلاثة فصول تقطع شجرة الشرك من قلب من عقلها ورعاها. اهـ.
وذكر أيضًا رحمه الله تعالى أن الشفاعة ستة أنواع:
الأول: الشفاعة الكبرى، التي يتأخر عنها أولو العزم عليهم الصلاة والسلام حتى تنتهي إليه - صلى الله عليه وسلم - فيقول:«أنا لها»، وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من مقامهم في الموقف، وهذه شفاعة يختص بها ولا يشركه فيها أحد.
الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها. وقد ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق عليه.
الثالث: شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار بذنوبهم،