{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: ٦٠]، وقوله:{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأعراف: ٥٥]، وأطاع الله ودعاه، وأنزل به حاجته، وسأله تضرعًا وخفية، فمعلوم أن هذا عبادة، فيقال: فإن دعا في تلك الحاجة نبيًا، أو ملكًا، أو عبدًا صالحًا، هل أشرك في هذه العبادة؟ فلا بد أن يقر بذلك إلاَّ أن يكابر ويعاند.
ويقال أيضًا: إذا قال الله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: ٢]، وأطعت الله، ونحرت له، هل هذا عبادة؟ فلا بد أن يقول: نعم، فيقال له: فإذا ذبحت لمخلوق نبي أو ملك أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة؟ فلا بد أن يقول: نعم إلاَّ أن يكابر ويعاند، وكذلك السجود عبادة، فلو سجد لغير الله لكان شركًا.
ومعلوم: أن الله سبحانه وتعالى، ذكر في كتابه النهي عن دعاء غيره، وتكاثرت نصوص القرآن على النهي عن ذلك، أعظم مما ورد في النهي عن السجود لغير الله.
فإذا كان من سجد لقبر نبي، أو ملك أو عبد صالح، لا يشك أحد في كفره، وكذلك لو ذبح له القربان، لم يشك أحد في كفره، لأنه أشرك في عبادة الله غيره، فيقال: السجود عبادة، وذبح القربان عبادة، والدعاء عبادة، فما الفارق بين السجود والذبح، وبين الدعاء إذ الكل عبادة، والدعاء عبادة؟ وما الدليل على أن السجود لغير الله والذبح لغير الله شرك أكبر، وما الدعاء بما لا يقدر عليه إلاَّ الله شرك أصغر؟
ويقال أيضًا: قد ذكر أهل العلم من أهل كل مذهب، باب حكم المرتد، وذكروا فيه أنواعًا كثيرة، كل نوع منها يكفر به الرجل، ويحل دمه وماله، ولم يرد في واحد منها ما ورد في الدعاء، بل لا نعلم نوعًا من أنواع الكفر والردة ورد فيه من النصوص مثل ما ورد في دعاء غير الله، بالنهي عنه والتحذير من فعله، والوعيد عليه ....