وأما كلام العلماء: فنشير إلي قليل من كثير، ونذكر كلام من حكى الإجماع على ذلك، قال في الإقناع وشرحه: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم، كفر إجماعًا، لأن هذا كفعل عابدي الأصنام، قائلين:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]. انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: وقد سئل عن رجلين تناظراـ فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنا لا نقدر أن نصل إليه إلاَّ بذلك.
(يجوز إثبات الواسطة بين الخالق والمخلوق باعتبار ولا يجوز باعتبار آخر)
فأجاب بقوله: إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله، فهذا حق.
فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه إلاَّ بالرسل، الذين أرسلهم الله إلى عباده، وهذا مما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أوامره ونواهيه، قال الله تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}[الحج: ٧٥]، ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل.
وإن أراد بالواسطة: أنه لا بد من واسطة يتخذها العباد بينهم وبين الله، في جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يكون واسطة في رزق العباد، ونصرهم وهداهم، يسألونه ذلك، ويرجعون إليه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء، يجتلبون بهم المنافع، ويدفعون بهم المضار، لكون الشفاعة لم يأذن الله له فيها ....
قال تعالى:{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: ٨٠]، فبين الله سبحانه وتعالى أن اتخاذ