ذلك، ولم ينهوا عن ذلك إلاَّ بعد مدة طويلة، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم»، وقال:«من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت».
ومن لا يميز بين دعاء الميت والحلف به، لا يعرف الشرك الذي بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ينهى عنه، ويقاتل أهله.
وأي جامع بين الحلف والاستغاثة؟ فالمستغيث طالب سائل، والحالف لم يطلب ولم يسأل، فإن كان الجامع بينهما عند القائل باتحادهما: أن كلاً منهما قول باللسان.
فيقال له: والإنكار والدعوات، وقول الزور وقذف المحصنات، كل ذلك قول باللسان، ولو قال أحد: إنها ألفاظ متقاربة لعُدَّ من المجانين.
وإن أراد هذا القائل اتحادهما في المعنى، فهذا باطل كما تقدَّم بيانه، وأي مشابهة بين من جعل لله ندا من خلقه، يدعوه ويرجوه، ويستنصره ويستغيث به، وبين من لا يدعو إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأخلص له في عبادته؟
فالأول: أشرك مع الله في قوله وفعله واعتقاده، بخلاف الحالف، بل لو اعتقد الحالف تعظيم المخلوق على الخالق، لصار مشركًا شركًا أكبر كما تقدم ....
(الرد على من سوى بين دعاء غير الله، والطيرة في الحكم)
وأما قوله: وإن نظر فيه من جهة الاعتقاد، فهو كالطيرة، فهذا كلام باطل أيضًا، يظهر بطلانه مما تقدم، فيقال: وأين الجامع بين شرك من جعل بينه وبين الله واسطة يدعوه ويسأله قضاء حاجاته، وكشف كرباته، ويقول: هذا وسيلتي إلى الله، وباب حاجتي إليه، وبين من عبد الله وحده لا شريك له، ودعاه خوفًا وطمعًا، وأنزل به حاجاته كلها، وتبرَّأ من عبادة كل معبود سواه