للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبادة، ليست عبادة لهم ولا شركًا.

فيقال أولاً: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نسب الإياس إلى الشيطان، ولم يقل: إن الله آيسه، فالإياس الصائر من الشيطان لا يلزم تحقيقه واستمراره، ولكن عدو الله لما رأى ما ساءه من ظهور الإسلام في جزيرة العرب وعلوه، يئس من ترك المسلمين دينهم الذي أكرمهم الله به، ورجوعهم إلى الشرك الأكبر، وهذا كما أخبر الله سبحانه عن الكفار، في قوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} [المائدة: ٣].

قال المفسرون: لما رأى الكفار ظهور الإسلام في أرض العرب وتمكنه فيها، يئسوا من رجوع المسلمين عن الإسلام إلى الكفر، قال ابن عباس وغيره من المفسرين: يئسوا أن يراجعوا دينهم، قال ابن كثير: وعلى هذا يرد الحديث الثابت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»، يعنى: أن إياس الشيطان مثل إياس الكفار، وأن الكل يئس من ارتداد المسلمين وتركهم دينهم، ولا يلزم من ذلك امتناع وجود الكفر في أرض العرب.

(الأدلة على وقوع الكفر في جزيرة العرب)

ولهذا قال ابن رجب على الحديث: يئس أن تجتمع الأمة على الشرك الأكبر، يوضح ذلك ما حصل من ارتداد أكثر أهل الجزيرة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقتال الصديق والصحابة لهم على اختلاف تنوعهم في الردة، قال أبو هريرة: لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفر من كفر من العرب، وردة بني حنيفة مشهورة.

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون»، معناه: أنه يئس أن يطيعه المصلون في الكفر بجميع أنواعه، لأن طاعته في ذلك هي

عبادته، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ

<<  <   >  >>