فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند، فهو متَّبع لأهل العناد.
وقد أخبر الله تعالى في القرآن في غير موضع: بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار، وأن الأتباع مع متبوعهم، وأنهم يتحاجُّون في النار (ثم ذكر آيات في هذا وأحاديث ثم قال)، وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم إنما هو: مجرد اتباعهم وتقليدهم. نعم لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال، وهو الفرق بين: ملقد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان في الوجود، فالمتمكن والمعرض، مفرط تارك للواجب عليه، لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه، فهم قسمان:
أحدهما: مريد للهدى، مؤثر له، محب له، غير قادر عليه، ولا على طلبه لعدم مرشد، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة.
الثاني: مُعرض لا إرادة له ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه.
فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك دينًا خيرًا مما أنا عليه، لدنت به وتركت ما أنا عليه، ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه، ولا اقدر على غيره، فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي.
والثاني: راض بما عو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته. وكلاهما عاجز، وهذا لا يجب أن يلحق الأول لما بينهما من الفرق، فالأول: كما طلب الدين في الفترة فلم يظفر به، فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزًا وجهلاً، والثاني: كمن لم يطلب بل مات على شركه، ولو كان طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المُعرض. والله يقضي بين عباده يوم القيامة بعدله وحكمته، ولا يعذب إلاَّ من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة