للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ظاهر الآيات والأحاديث، وكلام جمهور العلماء، يدل على تكفير من عبد مع الله غيره بالتعيين)

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين - رحمه الله تعالى -: نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء يدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨]. وقال تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: ٥]. وهذا عام في كل واحد من المشركين.

وجميع العلماء في كتب الفقه، يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة، الشرك، فقالوا: إن من أشرك بالله كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن زعم لله صاحبة أو ولدًا كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن قذف عائشة كفر، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه، كفر إجماعًا، لقوله تعالى: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٦]، ويذكرون أنواعًا كثيرة مجمعًا على كفر صاحبها، وَلم يفرِّقوا بين المعين وغيره.

ثم يقولون: فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته، فالاستتابة بعد الحكم بالردة، والاستتابة إنما تكون لمعين.

ويذكرون في هذا الباب: حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس، أو استحلَّ شيئًا من المحرَّمات، كالخمر والخنزير ونحو ذلك، أو شك فيه يكفر، إذا كان مثله لا يجهله.

ولم يقولوا ذلك في الشرك (١) ونحوه مما ذكرنا بعضه، بل أطلقوا كفره


(١) وذلك لأن الشرائع لا تلزم إلاَّ بعد البلاغ، أما التوحيد وترك الشرك، فلن يكون العبد مسلمًا إلاَّ بتحقيقه، بل وأخذ على ذلك الميثاق، وفطر عليه العباد، وركَّز في عقولهم أدلته وحجه وبراهينه، ثم قامت الأدلة الكونية - التي لا يخلو منها الكون في أي بقعة من بقاعه، ولا في أي لحظة من لحظاته - شاهدة على صحة التوحيد، وآمرة به، وعلى قبح الشرك وناهية عنه. ثم جاءت الرسل كلهم، تخاطب من عبد غير الله من أقوامهم بالشرك، وتوجب عليهم التوبة والانخلاع منه، كل هذا قبل أن تقيم الحجة عليهم، وتبين لهم حرمة الشك، ثم تعلمهم أن الدخول في دينهم ليس له إلاَّ طريقًا واحدًا لا ثاني له، وهو: الانخلاع من الشرك إلى الاستقامة على التوحيد، مع إفرادهم عليهم السلام بوحدانية المتابعة، وتحذرهم بأن من مات منهم غير مؤمن برسالته، فمصيره نار جهنم خالدًا فيها أبدًا، وتبشر المؤمنين بهم بجنة عرضها السماوات والأرض، وهكذا كانت القضية واضحة وحاسمة ومتفقة في كل الرسالات وكافة النبوات والشرائع. هذا والله أعلا وأعلم.

<<  <   >  >>