أذى المشركين إياهم أن نتركهم من غير اختبار، ولا ابتلاء وامتحان بأن قالوا: آمنا بك يا محمد، وصدقنك بما جئتنا به من عند الله؟ كلا لنختبرنهم، ليتبين الصادق من الكاذب. وقوله:{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: ٣]، قال: نزلت من أجل قوم، كانوا قد أظهروا الإسلام بمكة، وتخلَّفوا عن الهجرة.
والفتنة التي فتن بها هؤلاء، هي: الهجرة التي امتحنوا بها، ذكر من قال ذلك، ثم ذكر بسنده عن الشعبي، قال: إنها نزلت: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} الآيتين [العنكبوت: ١، ٢]، في أناس بمكة، قد أقرُّوا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه لا يقبل منكم إسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة، فتبعهم المشركون فردُّوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم أنه قد نزلت فيكم هذه الآية، آية كذا وكذا.
فقالوا: نخرج، فإن تبعنا أحد قاتلناه، قال: فخرجوا، فاتبعهم المشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النحل: ١١٠]، وقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ...} إلى آخر الآية [العنكبوت: ١٠]، قال: نزلت في قوم من أهل الإيمان، كانوا بمكة فخرجوا مهاجرين، فأدركوا وأخذوا، فأعطوا المشركين لما نالهم أذاهم ما أرادوا منهم، ذكر الخبر بذلك.
ثم ذكر بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستفتحون بإسلامهم، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحاب هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ ...}