أخبر - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه:«المهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، وهذا أمر مجمل شامل لجميع المحرمات القولية والفعلية.
القسم الثاني: الهجرة من كل بلد تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر ويعلن فيها بالمحرَّمات، والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم، ومع هذا يعتقد: كفرهم وبطلان ما هم عليه، لكن إنما جلس بين ظهرانيهم شحًا بالمال والوطن فهذا عاص ومرتكب محرمًا وداخل في حكم الوعيد، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ٩٧]. إلى قوله:{فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا}[النساء: ٩٩].
فلم يعذر الله إلاَّ المستعضف الذي لا يقدر على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدر ما عرف سلوك الطريق وهدايته إلى غير ذلك من الأعذار.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله» فلا يقال إنه بمجرد المجامعة والمساكنة يكون كافرًا، بل المراد أنه من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين وأخرجوه معهم كرهًا فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال لا في الكفر. وأما إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعًا واختيارًا وأعانهم ببدنه وماله فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر.
ومن الهجرة الواجبة أيضًا: الهجرة من بين ظهراني الأعراب المتظاهرين بالكفر والشرك وارتكاب بعض المحرَّمات وهو عاجز عن إظهار دينه ولا قدرة له على الإنكار عليهم، فهذا هجرته فرض إذا قدر عليها، فإن تركها مع قدرته واستطاعته فحكمه حكم من هو في بلدان المشركين المتقدم ذكرهم» (١).