مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم»، فعلم: أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه، ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
فأيما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، أو الخمر، أو الزنا، أو الميسر، أو نكاح المحارم، أو عن التزام جهاد الكفر، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين، أو محرماته التى لا عذر لأحد في جحودها، أو تركها، والتي يكفر الواحد بجحودها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، وإنما اختلف العلماء في الطائفة الممتنعة، إذا أصرَّت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر أو الأذان أو الإقامة عند من لا يقول بوجوبها، ونحو ذلك من الشعائر، فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟
فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام، أو الخارجين عن طاعته، كأهل الشام مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون عليه لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام، بمنزلة مانعي الزكاة، وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ولهذا افترقت سيرته - رضي الله عنه - في قتاله أهل البصرة وأهل الشام، وفي قتاله لأهل النهروان، فكانت سيرته مع البصريين والشاميين سيرة الأخ مع أخيه، ومع الخوارج بخلاف ذلك، وثبتت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق - رضي الله عنه - لمانعي الزكاة، وقتال علي للخوارج. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.