فتأمل رحمك الله تعالى تصريح هذا الإمام في هذه الفتوى: بأن من امتنع عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة، كالصلوات الخمس، والصيام، والزكاة، أو الحج، أو ترك المحرَّمات كالزنا أو تحريم الدماء والأموال، أو شرب الخمر أو المسكرات، أو غير ذلك، أنه يجب قتل الطائفة الممتنعة عن ذلك حتى يكون الدين كله لله، ويلتزموا جميع شرائع الإسلام، إن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين ببعض شرائع الإسلام، وأن ذلك مما اتفق عليه الفقهاء من سائر الطوائف، الصحابة فمن بعدهم، وأن ذلك عمل بالكتاب والسنة.
فتبين لك أن مجرد الاعتصام بالإسلام، مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، وأنهم يقاتلون قتال كفر وخروج عن الإسلام، كما صرَّح به في آخر الفتوى بقوله: وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام، بل هم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة. والله أعلم.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى في آخر كلامه على كفر مانعي الزكاة: والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؟
هذا لم يعهد عن الصحابة بحال، بل قال الصدِّيق لعمر رضي الله عنهما: والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها.
فجعل المبيح للقتال: مجرد المنع لا جحد الوجوب، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرُّون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة وهي: قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعًا: أهل الردَّة. وكان من أعظم فضائل الصدِّيق عندهم أن ثبته الله على قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره حتى ناظرهم فرجعوا إلى قوله.