- فإذا علم ذلك: فإن لكل نوع من أنواع الفتن فقها خاصا به: تعاملا وعلما، فليس الصبر في الفتن الكبار كالصبر في الفتن الصغار وهكذا ..
- وأيضا: فإن الفتن تقدر بقدرها .. فلا تصغر الكبيرة حتى يستهين بها الناس، ولا تكبر الصغيرة حتى ييأس الناس منها ... ولا تعمم الخاصة فيفتن الناس بها ولا تخصص العامة فتخذل الأمة.
في كتاب (السنة) للخلاّل (١/ ١٣٢) عن أبي الحارث الصائغ قال: سألت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ في أمر كان حدث في بغداد وهمّ قوم بالخروج، فقلت: يا أبا عبد الله! ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: سبحان الله! الدماء، الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه - يعني أيام الفتنة؟ قلت: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: وإن كان، فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة، وانقطعت السبل. الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به.
فانظر إلى فقه الإمام أحمد رحمه الله وكيف كان يقدر الفتن بقدرها.
وهذا التقدير للفتن باب علم يفتحه الله لأهل البصائر من عباده .. فيقولون الحق ويهدون إليه .. فإذا أغفل هذا الجانب وقع الزلل.
وعلى هذا الباب أيضا يكون العمل عند دفع الفتن إذا تعارضت، إذ تدفع الأعلى منهما بالأدنى، والكبرى بالصغرى، والعامة بالخاصة وهكذا. ... والله المستعان.