فعلى العبد الموفق إذا وقعت الفتن أن يحلم ولا يجهل، ويتأنى ولا يعجل، فإن ذلك أحمد للعاقبة ... والله المستعان.
خامسا: مما يكون سببا في دفع الفتن أو تقليلها: التثبت:
وهو مبدأ قرآني أصيل، يذب به عن الأعراض، ويستراح به من القال والقيل. يقول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} ويقول: {يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا، فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا} أخرج الترمذي وغيره وهو عند البخاري مختصرا في سبب نزول هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا من بني سليم مر على نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه غنم له، فسلم عليهم فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم، فقاموا إليه وقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله هذه الآية،.فانظر كيف كان ترك التثبت سببا في سفك دم ما أمروا بسفكه.
إن عدم التثبت ليرهق الأمة أفرادا وجماعات، إذ يكلفها من وقتها وجهدها ومالها ما تكون في غنى عن بذله لو تثبتت.
والفتن إنما تظهر بالإشاعات والبواطيل، وتنتشر بالقال والقيل، مع خفة عقل في نقلتها ورقة دين، تمنعهم من امتثال أمر الله تعالى بالتثبت وترك الاستعجال.
ولتجدنّ أشد الناس حدّة في الطبع، وإعجابا بالنفس، وتعصبا للرأي؛ هم أولئك الذين لا يتثبتون ولا يتبينون، فيغلب عليهم الصلف والكبر، وعدم مراعاة الناس، الجميع عندهم جهلة لا يعلمون، وهم العارفون العالمون.
إن حمل المسلمين على العدالة هو الأصل الذي لا ينبغي العدول عنه إلاّ بمثله من اليقين، أما بمجرد قول قيل لا يدرى من أي رأس خرج ولا