دليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته؛ قطع هذا البلعوم.
وعند الحاكم وصححه وأقره الذهبي عن أبي الطفيل قال: انطلقت أنا وعمرو بن ضليع إلى حذيفة بن اليمان، وعنده سماطان من الناس، فقلنا: يا حذيفة! أدركت ما لم ندرك، وعلمت ما لم نعلم، وسمعت ما لم نسمع، فحدثنا بشيء لعل الله أن ينفعنا به فقال: لو حدثتكم بكل ما سمعت ما انتظرتم بي الليل القريب.
وقال لخيثمة بن عبد الرحمن لما طلب منه ذلك:(لو فعلت لرجمتموني).
الثانية: إذا خشي ألا يفهم من أمامه، فيثير عنده شبهة لم تكن في حسبانه.
دليل ذلك: ما قاله علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:(ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه أفهامهم إلاّ كان لبعضهم فتنة).
الثالثة: إذا كان المتحدث بها ليس أهلا للتحديث؛ إما لقلة علمه بصحيح الأخبار وسقيمها، وإما لقلة فهمه لها؛ مما يؤدي إلى خبطه فيها خبط عشواء، وتنزيلها على غير أهلها.
- فإن قيل: فما الفائدة من تحديث الناس بذلك؟
فالجواب: ليتعلموا، وليأخذوا حذرهم، وليكون ذلك سببا في تقليل الفتن، إذ إن الدفع أسهل من الرفع.
وبذلك كله تظهر شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته وإرشاده لهم إلى ما ينفعهم، وصدق الله القائل:((وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)). والله أعلم ....