الأحاديث على بعض الأشخاص تنزيلا تاما، كما ورد عن عمر - رضي الله عنهم - أنه كان يحلف أن الدجال هو ابن صياد، وتبعه على ذلك جابر - رضي الله عنهم - كما في صحيح مسلم، وابنه عبد الله كما عند أبي داود، ولو كان الأمر كما ذكرت لما جاز لهم ذلك؟
فالجواب: أن ذلك لم يكن من عمر - رضي الله عنهم - ومن معه من الصحابة اجتهادا من عند أنفسهم، بل كان اعتمادا على إقرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نفس الحديث المذكور فإن جابر - رضي الله عنهم - لما سئل عن يمينه قال: سمعت عمر يحلف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره.
فالذي يريد أن ينزل الأحاديث على الزمن وأهله يحتاج إلى مثل ذلك الإقرار، وأنى له ذلك.
ثم على فرض التسليم بعدم الإقرار منه - صلى الله عليه وسلم - لعمر وأن ذلك كان منه اجتهادا؛ فأي الناس كعمر الذي وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمحدث الملهم، والذي وافق ربه في مسائل كثيرة، هذا مما لا يكون بحال.
فإن قيل: فهل يعني ذلك أن الأحاديث الواردة في وصف الفتن ليس لها معنى معينا (خاصا) وإنما هي أمور عامة مشتركة بين الأزمنة والأمكنة والأشخاص؟
فالجواب: لا .. فإن كل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فتنة من الفتن لا بد واقع لا محالة كما أخبر؛ فان كان المخبر به أشخاصا يكونون في الأمة: ظهر أولئك الأشخاص بأعيانهم كما أخبر، وعندها يعرفهم الناس بالعلامات الدالة عليهم الواردة في النصوص في وصفهم، كذي الثديّة المذكور في قتال الخوارج؛ والدجال وغيرهما.
وان كان المذكور في النص أحوالا وأوصافا للناس عامة أو لبعضهم خاصة، أو للأزمنة أو الأمكنة: وقعت تلك الأوصاف واستحكمت وغلبت حتى تكون مطابقة لما ورد فيعرفها الناس حينئذ، كما في الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه،