ففي هذه الأحاديث أمر منه - صلى الله عليه وسلم - بكف اليد واللسان عند حصول الفتنة لما يترتب على ذلك من زيادتها.
ومما يذكر هنا أن بعض السلف الصالح رحمهم الله تعالى عندما حصلت الفتنة الأولى ترك السؤال عن أخبارها، فقد نقل المزي في التهذيب في ترجمة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم - أنه لزم بيته في الفتنة وأمر أهله ألاّ يخبروه بشيء من أخبار الناس حتى تجتمع الأمة على إمام.
وروي عن شريح مثل ذلك فقد قال ميمون بن مهران: لبث شريح في الفتنة تسع سنين، لا يخبر ولا يستخبر، ولما سمع مسروق ذلك قال: لو كنت مثله لسرني أن أكون قد مت، رحم الله الجميع.
وعليه: فينبغي للمسلم حال الفتن أن يكف يده ولسانه، ولرب كلمة أسالت دما، وأعقبت ندما. ... والله تعالى أعلم.
ثامنا: مما يكون سببا في الخروج من الفتن: لزوم جماعة المسلين وإمامهم:
كما أمر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حذيفة الطويل وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له لما سأله عن الخير والشر فقال: فما ترى إن أدركني ذلك قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) فقلت:
فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:((فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدرك الموت وأنت على ذلك)) رواه مسلم في صحيحه.
وواضح من الحديث أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة المسلمين المجتمعة على إمام يقيم فيهم حكم الله تعالى وإن كان لفظ الجماعة قد يراد به معاني أخرى في النصوص الشرعية وهي وإن كانت لا شك مما يعصم من الفتن؛ إذ لا فتنة أعظم من ترك الإسلام وأهله واللحاق الكفر وأهله ((والفتنة أشد من القتل))، ثم ما يليها من البدع المفضية لتغيير الدين وتبديل شرع رب العالمين، لكن المراد هنا التأكيد على المغنى الذي ذكرناه لتهاون بعض الناس فيه مع ما يلقيه الشيطان من الشبه المفضية إلى الخروج على الأئمة ومنابذتهم بالسيف. بخلاف المعاني المذكورة، فإنها