للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كانت كذلك إلاّ أن النفور مما يخالفها أشد، والهرب من مسمى الخارجين عنها أكثر حتى أنك ترى أهل البدع الغارقين فيها إلى رؤوسهم ينفرون من وصفهم بها ويبرئون أنفسهم منها.

وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بملازمة جماعة المسلمين وإمامهم لما في ذلك من المصلحة العامة، وإن ظن بعض الناس أن الخير في ترك ذلك، ولذا ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة) وصدق رضي الله عنه.

وليعلم أن من أعظم أسباب الفتن بين المسلمين: الهوى والشيطان، وأهل الكفر والطغيان.

فأما الأول: فلأن الإنسان قد تزين له نفسه وهواه وشيطانه؛ البغي على غيره، بأخذ ماله أو هتك عرضه أو سفك دمه، فإذا كان ثَمّ إمام وجماعة؛ وقعت الهيبة في نفس الباغي فكف عن بغيه، وأثمر ذلك لزومه للحق طوعا أو كرها، فسلم المسلمون وأمنوا.

وأما الثاني: فكما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} إلى قوله تعالى: {لعلكم تهتدون}، وقد روي في سبب نزول هذه الآيات: أن يهوديا جلس في مجلس من مجالس الأنصار وأنشد شعرا مما كانت الأوس والخزرج تتقاوله يوم بعاث حتى ثار الحيان إلى السلاح، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم وقال: ((يا معشر المسلمين! الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) ولم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعظهم حتى عرف القوم أنها نزغة من نزغات الشيطان، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضاً.

إذا فأعداء الله الكافرين: لا يزالون يثيرون الفتن في الأمة، ويذكون نار الخلاف بين أهلها، أذهابا لقوة المسلمين، وإضعافا لأمرهم، فإذا اعتصم الناس بالجماعة، وتمسكوا بالإمامة ردوا كيد الكافرين في نحورهم، وبقيت

<<  <   >  >>