أن كل ما تقدم يدل أتم الدلالة وأوضحها على أن الفتن منافية للشريعة، ومناقضة لها، فهي خلاف مقصودها.
وعليه: فمن سعى في تحصيل فتنة أو إشعال نارها، فإنه ساع في ضلالة، وداع إلى هلكة، لكونه يسعى لشيء نهي عن السعي إليه.
فإن قيل: فإنك قد قدمت في المسألة الثالثة؛ أنه إذا تعارضت الفتن، دفعت العظمى منهما بالصغرى، وهذا هو عين السعي في الفتنة التي ذكرت قبل أنها خلاف الشريعة؟
والجواب: أن ارتكاب الفتنة الصغرى دفعا للفتنة الكبرى ـ إذا لم تندفع إلاّ بذلك ـ ليس المقصود به الفتنة المرتكبة لذاتها إذ الفتنة مكروهة على كل حال؛ وإنما جاز ارتكابها للمصلحة المترتبة على ارتكابها وهي دفع ما هو أعظم منها، وهذا عند جميع العقلاء حسن جميل، كمن يدفع الموت عن نفسه بقطع يده التي أصابتها الآكلة، استغناء عن الجزء من أجل الكل.
فإن قيل: فما وجه مناقضة الفتن للشرع؟
فالجواب: أمور:
أولها: أن الفتن مفسدة للضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها ودفع ما يفسدها، كلها أو بعضها، وهذا جلي من شأن الفتن، وكفى به مناقضة للشرع.