وقد حمل الإمام مالك دعاء عمر رضي الله عنه:(اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي؛ فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط) الذي رواه عنه في موطئه على ما ذكرت فقال كما في الجامع لابن أبي زيد (١٨٢): (ولا أرى عمر دعا على نفسه بالشهادة إلا أنه خاف التحول من الفتن وقد كان يحب البقاء في الدنيا)
كل ذلك دال على جواز الدعاء على النفس بالموت عند الخوف على الدين ... والله أعلم.
الثاني / مما يجوز في وقت الفتن: اعتزال الناس، والانقطاع عنهم في البوادي ونحوها .. حفظا للدين وصيانة للمهج كما قدمنا.
دليل ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يوشك أن يكون خير ما المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي بكرة رضي الله عنه وقد تقدم في المسالة الرابعة وفيه:(ألا فإذا نزلت أوقعت ـ أي الفتن ـ فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ...) الحديث.
وعند الإمام أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن كرز الخزاعي قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فقال: يا رسول الله! هل للإسلام منتهى؟ قال:(نعم من أراد الله به خيرا من عجم أو عرب أدخله عليه، ثم تقع فتن كالظلل يعود فيها الناس أساود صُبّاً يضرب بعضهم رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب يتقي ربه ويدع الناس من شره).
- ولأجل ما تقدم بوب البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الفتن بابا فقال:(باب التعرب في الفتنة)، وله في كتاب الإيمان:(باب من الدين الفرار من الفتن)