وفي هذا سد لباب عظيم من الشر قد ينتج عنه من الفتن إضعاف ما ينتج عن الفتنة المنظور إليها.
الثاني: تنزيل الحكم على الأشخاص إنما هو لأهل العلم الراسخين فيه؛ إذ إن إطلاق الحكم على المعين لابد فيه من معرفة الشروط والموانع ... وهذا إنما يكون لأهل العلم، ولا سبيل لأحد أن يتقدم عليهم فيه لما في ذلك من الخطر العظيم والبلاء الجسيم.
الثالث: أن المشاركين في الفتن ليسوا على وزان واحد: جرما وإثما وحكما؛ فرؤوس أهل الفتن ليسوا كالأتباع، والقعدة فيها ليسوا كالمشاة، والمشاة فيها ليسوا كالسعاة ... وهكذا.
وقد تقدم معنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه؛ فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به) متفق عليه.
وفي صحيح مسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه). قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت من لم تكن له أبل ولا غنم ولا أرض؟ قال:(يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: (يبؤ بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار).
- وإنما كان الأمر كذلك: لأن جهد أهل الفتن مختلف، ووقعهم فيها متفاوت؛ فالقاعد غالبا ـ ما لم يكن من رؤوس أهلها ـ أضعف عملا من الماشي، والماشي أضعف من الساعي وهكذا. (هذا أولاً).