للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذين الاحتمالين السابقين تبقى مكية الآية قائمة، ومما يؤكد القول بمكيتها ما قاله صلى الله عليه وسلم لابنته زينب رضى الله عنها (١) لما قامت تغسل عنه التراب الذى نثره أحد سفهاء قريش، وهى تبكى؛ خاطبها صلى الله عليه وسلم: بقوله: "لا تبكى يا بنية، فإن الله مانع أباك" (٢) فهذا يدل بما لا مجال للريب فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان على يقين من عصمة الله عز وجل له من جميع ما يكيدون ويدبرون.

وأيضاً فإن القول بمدنية هذه الآية مع ما فى أسلوبها من شدة الأمر بالتبليغ، والتحريض عليه، والتوعد على التقصير فيه، يتنافى مع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة من عزة ومنعة، مكنته من التبليغ ونشر الدعوة بقوة، ونقلها إلى خارج المدينة التى هو فيها سيد الموقف وبيده المبادأة متى أرادها.

بل كيف يتأتى القول أن تنزل عليه آية العصمة من الناس فى المدينة، وهو للعصمة أحوج فى مطلع الرسالة منه عليها فى آخرها؛ وسورة المائدة من آخر القرآن تنزيلاً" (٣) .


(١) لها ترجمة فى: أسد الغابة ٧/١٣١ رقم ٦٩٦٤، والاستيعاب ٤/١٨٥٣ رقم ٣٣٦٠، والإصابة ٤/٣١٢.
(٢) أخرجه ابن إسحاق مرسلاً عن عروة بن الزبير رضى الله عنه، ينظر: السيرة النبوية لابن هشام ٢/٢٩، ٣٠ نص رقم ٤١٤، وأخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى ١/١٢٤، والطبرى فى تاريخه ٢/٣٤٤، والبيهقى فى دلائل النبوة ٢/٣٥٠ كلاهما من طريق ابن إسحاق عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن جعفر، وكذا أورده ابن كثير فى البداية والنهاية ٣/١٢٠، والسهيلى فى الروض الأنف ٢/٢٢٣ وللحديث شاهد من حديث عائشة رضى الله عنها أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة ٢/٣٤٩، ٣٥٠.
(٣) فتح القدير للشوكانى ٢/٢٦.

<<  <   >  >>