للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٠

فتأمل كيف عصم رب العزة رسوله صلى الله عليه وسلم من محاولة سراقة قتله أو أسره، ليفوز بالدية التى رصدت من كفار قريش، إذ ما اقترب من ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عثرت به فرسه، مرة تلو الأخرى بعد إصراره على تتبع ركبه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ما سمع دعاءه صلى الله عليه وسلم بأن يصرعه، أو يكفيه إياه بما شاء، إلا وتتعثر به فرسه للمرة الثالثة، حتى أن يدا فرسه فى هذه المرة غاصت فى الأرض حتى بلغتا الركبتين، وبعد محاولات منه لاستنهاضها، إذ به يرى على يديها أثر دخان من غير نار ساطع فى السماء، وهنا أيقن سراقة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظ، ومعصوم منه، كما أيقن فى نفس الوقت، أنه نبى الله حقاً، وأن دينه سيظهر، فما كان منه إلا أن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان، فأعطاه إياه، ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى أن يقف فى مكانه، ولا يترك أحداً يلحق برَكْبِهِ صلى الله عليه وسلم، ففعل سراقة، وهنا تتجلى إرادة المولى عز وجل ومشيئته فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغير حال سراقة "إذ كان فى أول النهار جاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مسلحة له" (١) أى حارساً له بسلاحه، بل وبلسانه أيضاً كما جاء فى رواية ابن سعد: "أنه لما رجع، قال لقريش: قد عرفتم بصرى بالطريق وبالأثر، وقد استبرأت لكم، فلم أر شيئاً، فرجعوا" (٢) وقال أيضاً رضى الله عنه رداً على أبى جهل لما بلغه موقفه هذا، ولامه فى تركهم أنشده:

أبا حكم والله لو كنت شاهداً ... *** ... لأمر جوادى إذ تسيخ قوائمه


(١) كما جاء فى حديث أنس عند البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم ٧/٢٩٣، ٢٩٤ رقم ٣٩١١.
(٢) الطبقات الكبرى ٨/٢٥٠.

<<  <   >  >>