للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وإنما الذى جاء فى حديث الحاكم أن سعداً قال: "نزلت هذه الآية فى خمس من قريش أنا وابن مسعود فيهم، فقالت قريش للنبى صلى الله عليه وسلم: لو طردت هؤلاء عنك جالسناك! تدنى هؤلاء دوننا، فنزلت {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه} ... إلى قوله... {أليس الله بأعلم بالشاكرين} (١) ولا يخلو هذا من الإشعار الذى أشعر به حديث مسلم فى كلام سعد، وإن كان حديث مسلم أصرح فى الإشعار من حديث الحاكم.

... ولعل حديث الحاكم دخله شئ من الاختصار، أو أن حديث مسلم روى بالمعنى فدخله شئ من التفصيل.

... وحديث سعد – عند مسلم – صريح فى أن العتاب فى الآية وقع على ما حدث به النبى صلى الله عليه وسلم نفسه. وهذا على فرض التسليم به لا يقدح فى عصمته صلى الله عليه وسلم، لأن همه صلى الله عليه وسلم بذلك كان ابتغاء مرضاة الله تعالى، برجاء إسلام قومه، وذلك لا يضر فى نفس الوقت أصحابه رضى الله عنهم لعلمه صلى الله عليه وسلم بأحوالهم ورضاهم بما يرضاه (٢) وإلا فما ورد على لسان سعد من همه صلى الله عليه وسلم بالاستجابة لاقتراحهم لا حجة فيه، فقد أخبر بحسب ظنه، وأخبر عن أمر لا يعلمه إلا علام الغيوب المطلع على أسرار قلوب خلقه.

... ويؤكد أن الإخبار عن هذا الهم بحسب ظن الراوى، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ليطردهم، ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم من قبل آية الأنعام، مما جاء على لسان نوح عليه السلام جواباً على مثل اقتراح كفار قريش. قال تعالى: {وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكنى آراكم قوماً تجهلون. ويا قوم من ينصرنى من الله إن طردتهم أفلا تذكرون} (٣) .


(١) الآيتان ٥٢، ٥٣ والحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك ٣/٣٦٠ رقم ٥٣٩٣ وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى.
(٢) ينظر: شرح الزرقانى على المواهب ٩/٣٢.
(٣) الآيتان ٢٩، ٣٠ هود.

<<  <   >  >>