للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وقد كان ابن أم مكتوم يستحق التأديب والزجر، لأنه وإن فقد بصره، كان يسمع مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأولئك الكفار، وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلامه صلى الله عليه وسلم بعد سماعه، إيذاء له صلى الله عليه وسلم وذلك معصية عظيمة.

... فثبت أن فعل ابن أم مكتوم كان ذنباً ومعصية، وأن الذى فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الواجب المتعين، سواء كان ابن أم مكتوم مسلماً فى ذلك الوقت، كما هو رأى الجمهور، أو لم يكن أسلم بعد، على ما ذهب إليه السهيلى (١) فى الروض الأنف ورجحه قائلاً: "مع أنه – أى الأعمى – لم يكن آمن بعد، ألا تراه يقول: {وما يدريك لعله يزكى} (٢) ولو كان قد صح إيمانه وعلم ذلك منه لم يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لم يكن ليخبر عنه ويسميه بالاسم المشتق من العمى، دون الاسم المشتق من الإيمان والإسلام، ولو كان دخل فى الإيمان من قبل – والله أعلم – وإنما دخل فى الإسلام بعد نزول الآية ويدل على ذلك قوله للنبى صلى الله عليه وسلم: "يا محمد استدننى" (٣)


(١) هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن أصبغ، أبو القاسم، السهيلى، الأندلسى، المالكى، حافظ، كان عالماً بالعربية، واللغة، والقراءات، بارعاً فى ذلك، جامعاً بين الرواية والدراسة، عالماً بالتفسير، وصناعة الحديث، حافظاً للتاريخ، من مصنفاته: الروض الأنف فى شرح السيرة، ومسألة السرفى عور الدجال، وغير ذلك ما سنة ٥٨١هـ له ترجمة فى: طبقات المفسرين للداودى ١/٢٧٢، رقم ٢٥٧ وتذكرة الحفاظ للذهبى ٤/١٣٤٨رقم ١٠٩٩،والديباج المذهب لابن فرحون ص٢٤٦ رقم ٣١٨.
(٢) الآية ٣ عبس.
(٣) بياء بين نونين أى: أشر لى إلى موضع قريب منك أجلس فيه. شرح الزرقانى على الموطأ ٢/١٩ رقم ٤٧٧، والحديث أخرجه مالك عن عروة بن الزبير مرسلاً فى كتاب القرآن، باب ما جاء فى القرآن ١/١٨٠ رقم٨.

<<  <   >  >>